مهارات التفكير الحاسوبي في مراحل التعليم العام - رؤية شخصية

إدراج مهارات التفكير الحاسوبي في مراحل التعليم العام

   أحدثت التقنية تغيرا ملحوظا في نمط الحياة التي نعيشها، ونشأت لدينا حاجة إلى وظائف جديدة، وقلت الحاجة في المقابل لوظائف أخرى، ويقع على عاتق الأنظمة التعليمية العبء الأكبر في تهيئة الجيل الجديد للتعايش بل التفاعل مع العصر الجديد بمتغيراته الكثيرة. وقد شعرت حكومتنا الرشيدة بأهمية هذا التغير في نمط الحياة وأولت ذلك اهتماما كبيرا، وقد تجلت هذه التوجهات في العديد من المشروعات التنموية والمبادرات التعليمية، وبالتوجيهات المباشرة من سمو سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان – حفظه الله – بزيادة الاهتمام بوظائف المستقبل وتهيئة الجيل لها.

   

   تنامت في مطلع القرن الجديد التوجهات التربوية نحو الالهتمام بتنمية ما يعرف بمهارات القرن الواحد والعشرين، وضرورة أن يتسلح الجيل الجديد بهذه المهارات ليتمكنوا من أخذ دورهم في العالم العصري الجديد الذي يتسم بالسرعة في تطوراته وتغيراته، وليكونوا أكثر فاعلية في وظائف المستقبل التي تعتمد على التقنية والآلة بشكل كبير، وتتطلب مهارات تفكير عليا.

   تركز مهارات القرن الواحد والعشرين على مجموعة من المهارات تندرج تحت أربع مهارات أساسية (4 C’s):

1.     مهارات التفكير الناقد Critical thinking

2.     مهارات التفكير الإبداعي  Creative Thinking

3.     مهارات التواصل Communication

4.     مهارات التعاون. Collaboration

   

   
تعدّ مهارات التفكير الحاسوبي امتدادا لمهارات القرن الواحد والعشرين أو يمكن اعتبارها أداة لتنمية مهارات حل المشكلات التي تعد من اهم سمات المفكر الناقد، وقد تزايدت توصيات التربويين بأن تكون مهارات التفكير الحاسوبي جزءًا أساسيًا من المناهج الدراسية، مما جعل العديد من أفضل أنظمة التعليم العالمية تتبنى تدريس مثل هذه المهارات في المناهج الدراسية وفي مراحل مبكرة في المرحلة الابتدائية.

   توجهت أبرز وأفضل أنظمة التعليم في العالم إلى تعليم البرمجة (coding) في التعليم العام، وقد صرح عدد من الرؤساء التنفيذين لكبرى الشركات العالمية - التقنية خاصة – بأهمية وضرورة تعليم البرمجة للجيل الجديد ومن مراحل التعليم الابتدائي، وسبب هذا الاهتمام الكبير هو ان البرمجة وان كانت ذات اهمية بذاتها كعلم مهم جدا في علوم الحاسب، إلا ان تعليمها للطلاب في التعليم العام يعدّ وسيلة لتحقيق أهداف تنموية من اهمها تطوير مهارات التفكير الحاسوبي لدى المتعلمين، وهذا ما أظهره تقرير صدر عن أكاديمية European Schoolnet شاركت فيه اكثر من 20 دولة أوربية، حيث كانت الغاية لتدريس البرمجة ودمجها في المناهج في هذه الدول هو تطوير مهارات التفكير الحاسوبي ومهارات حل المشكلات وتعزيز مهارات القرن الواحد والعشرين بالإضافة إلى جذب المزيد من الطلاب لدراسة علوم الحاسب في المستقبل.

علاوة على ما ذكرت، فإن بعض من أنظمة التعليم حول العالم أدخلت الحاسب في الابتدائي لهدف واحد فقط وهو تنمية مهارات التفكير الحاسوبي، بالإضافة إلى دمج المهارات الرقمية الأخرى مع المناهج للمواد الأخرى، مما يدفعنا إلى التفكير مليا في مثل هذه القرارات لأنظمة تعليم عالمية أعطت الأهمية القصوى لتنمية مثل هذه المهارات والاستفادة من تجارب تجارب دول، مثل: بريطانيا، وفنلندا، واستراليا، وسنغافورة التي ذهبت إلى إطلاق اسم القدرات الوطنية على مهارات التفكير الحاسوبي. 

   يظهر لنا مما سبق أهمية إدراج مهارات التفكير الحاسوبي في التعليم العام، وإعطاءها وزنًا عاليًا في إطار مناهج التقنية الرقمية الذي تقوم هيئة تقويم التعليم مشكورة ببنائه بشكل احترافي راعت فيه إشراك كل المعنيين من التربويين والمتخصصين في المجالات العلمية المختلفة. نتيجة لهذه الاحترافية في العمل أُدرجت مهارات التفكير الحاسوبي كجزء رئيس في الإطار العام للتقنية الرقمية، لتكون مواكبة لآخر ما توصلت إليه الدراسات العالمية في مجال التعليم، ومتوافق مع التوجهات العالمية إلى حد كبير، وهذا يجعلني أوصي زملائي المتخصصين من معلمين الحاسب وخريجي الحاسب أن يطوروا مهاراتهم وثقافتهم في مهارات التفكير الحاسوبي وطرائق تنميتها.

- ما هي مهارات التفكير الحاسوبي؟ 

يصعب تعريف التفكير الحاسوبي، ولا يوجد تعريف متفق عليه في اوساط التربويين، وقد بدأ هذا المصطلح بالانتشار بعد المقال الذي كتبته وينج في 2006 ، وسأذكر بعض التعريفات الشاملة والتي تركز على ماهية التفكير الحاسوبي. 

1- طريقة تفكير عليا في التعامل مع المشكلات التي تواجهنا في الحياة، تعتمد على خطوات يمكن للإنسان أو الآلة اتباعها لفهم المشكلة وتحليلها وصياغة الحل بطريقة يمكن للبشر والكمبيوتر فهمها وتطبيقها.  (Shuchi Grover, 2018) . 

2- يمكن تعريفها أيضا بأنها مجموعة من المهارات التي تفيد الأفراد في تنمية مهاراتهم العقلية ليتعاملوا مع المشكلات المعقدة والغامضة والمفتوحة. (Wing,2010) 

 3- يمكن القول بأنها مهارات عقلية وممارسات وطرق أساسية في حل المشكلات المعقدة ( الفايز، 2018)

وهناك مهارات عديدة ومفاهيم تندرج تحت التفكير الحاسوبي ولكن هناك أربع مفاهيم أساسية، وهي:

1.      التقسيم Decomposition

2.      النمذجة  أو التنميط Pattern Recognition  

3.      التجريد Abstraction

4.   التفكير الخوارزمي أو الخطوات الخوارزمية Algorithm 

هناك مهارات تعتمد عليها هذه المهارات الأساسية يجْدُر بنا أن ندرب الطلاب عليها، مثل: طرق جمع البيانات وتحليلها وتصنيفها وتمثيلها، وهذه المهارات أساسية يجب أن تدرج في المرحلة الابتدائية؛ لأنه لا بد من جمع البيانات حول المشكلة لنتمكن من التقسيم والنمذجة والتجريد وبالتالي نخرج بالحل على شكل خطوات خوارزمية يمكن لأي أحد تطبيقها والوصول إلى الحل.

كيف ننمي مهارات التفكير الحاسوبي في مراحل التعليم العام، وما هي الأدوات التي يمكن أن نستخدمها؟   

كثير من أنظمة التعليم استخدمت البرمجة - خاصة البرمجة المرئية -  والحوسبة المادية كاداة يمكن أن تضفي المتعة على عملية التعلم، وتجعل النتائج ملموسة مما يزيد من دافيعة المتعلمين، والسبب في اختيار البرمجة كأداة أو وسيلة لتنمية مهارات التفكير الحاسوبي، هي أن البرمجة تتقاطع مع المفاهيم الأساسية لمهارات التفكير الحاسوبي، التي يمكن بتحليلها أن نحدد ثلاث أبعاد لها، المفاهيم والممارسات واتجاهات أو منطلقات في التعامل مع العالم الخارجي، ونجد أن المفاهيم هي مفاهيم البرمجة الأساسية نفسها، مثل: المتغيرات والشروط والحلقات، والممارسات هي استراتيجيات حل المشكلات المستخدمة في البرمجة، مثل: التكرارية التزايدية والتنميط أو التصنيف. 

   لكي تكتمل الصورة سأوضح ما هو التدرج المناسب لتعليم البرمجة والحوسبة المادية في التعليم في المراحل الدراسية، من وجهة نظر شخصية مستوحاة من تجارب الدول الأخرى، حيث يمكن تقسيم تنمية مهارات التفكير الحاسوبي إلى عدة مراحل:                    .

المرحلة الأولى: مدخل لتعليم البرمجة المرئية بالتدريب على التحكم باللبنات وحل بعض المشكلات البسيطة المتمثلة بألغز رسومية، ويحقق ذلك باستخدام مواقع تستخدم الألعاب لتحقيق ذلك، مثل: code.org ومتاهة بلوكلي.

المرحلة الثانية: تعليم المفاهيم الأساسية للبرمجة باستخدام البرمجة المرئية والتدرج في ذلك إلى أن يصل المتعلم إلى الإبداع في تصميم لعبة أو بيئة تفاعلية باستخدام البرمجة باللبنات، ومن أشهر برمجيات البرمجة المرئية سكراتش.
                                .

المرحلة الثالثة: تطبيقات الحوسبة المادية باستخدام المتحكمات الصغيرة الغير معقدة مثل: مايكروبت وربطه بقطع إلكترونية والتحكم به باستخدام البرمجة المرئية، إلى أن يصل الطالب إلى الابداع في تصميم ألعاب أو تطبيقات على المتحكم الصغير، مثل لعبة الدودة أو طريقة لحساب المسائل الرياضية باستخدام أزرار معينة.     (كل المراحل السابقة في المرحلة الابتدائية)                                               .

المرحلة الرابعة: التوسع في التطبيقات على الحوسبة المادية في المرحلة المتوسطة بإدخال متحكمات أكثر تعقيدا وقدرة، مثل: الأردوينو والرازبيري باي، واتاحة الفرصة للطلاب لبناء روبوتات ومشروعات تقنية، باستخدام حقائب جاهزة إلى أن ينهي الطلاب مرحلة الابتكار ويصلوا إلى مرحلة متقدمة من الإبداع، وذلك باستخدام القطع المتوفرة في بناء روبوتات لعمل مهام جديدة يبدع الطلاب فيها. 

ختامًا: تدريس التقنية الرقمية أو المهارات الرقمية يجب أن يكون مثل تدريس المواد الأخرى التي نركز فيها على تدريس ما يحتاجه المتعلمين في حياتهم وفهم بيئتهم وما يحيط بهم، ونحن لا نتوقع أن يتخصص كل الطلاب بعلوم الحاسب أو أن يكون لديهم الميول إليها، لذلك يجب أن نكتفي بما يخدم هذا التوجه وهو تهيئة الجيل للوظائف الجديدة وحياتهم ومحيطهم.

شكر وعرفان: أتقدم لأخي د.عبدالعزيز الفايز الذي دعمني بمجموعة من المقالات والدراسات في التفكير الحاسوبي بالإضافة إلى رسالة الدكتوراة التي لم تنشر بعد، وأشكر أخي عبدالرحمن الجديع على تزويدي ببعض المصادر والتي منها تقرير عن تعليم الحاسب في الدول الأوربية. 

المراجع : 

Alfayez, A. (2018). Exploring the Level of Conceptual Mastery in Computational Thinking Among Male Computer Science Teachers at Public Secondary Schools in Saudi Arabia. (Electronic Thesis or 

Dissertation). Retrieved from https://etd.ohiolink.edu/

Falkner , Vivian  Falkner, Teaching Computational Thinking in K-6: The CSER digital Technologies MOOC, Proceedings of the 17th Australasian Computing Education Conference 

(ACE 2015), Sydney, Australia, 27 - 30 January 2015 

هناك مراجع أخرى سأضيفها لاحقا